سر السعادة فى ثلاث
صارت
السعادة بعيدة المنال، وكادت أن تنضم إلى قائمة المستحيلات، فملامح
الاكتئاب تكسو الوجوه، والشباب الذين مازالوا فى مقتبل العمر، وأمامهم آمال
عريضة ، شاخت نفوسهم ، وأصبحوا حين يُسألون عن السعادة يتنهدون بأسى
ويسألون هم أيضًا: أية سعادة؟!
وعن الإحساس بالسعادة، وكيف رسم الإسلام للإنسان طريقه للعيش بسعادة؟
الإيمان بالقدر
يقول د. محمد حسنى إبراهيم سليم - أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر - إن الإحساس بالسعادة يتطلب منا إدراك عدة أمور:
أولها:
أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره، ويؤمن بأن ما يحدث له من أحداث أيًا
كانت هذه الأحداث مقدره من الأزل، ولكن المهم ألا نرتكن إلى أن أقدارنا
مقدرة من الأزل، فعلينا أن نأخذ بالأسباب مع إدراك أن السعى فى أيدينا،
ولكن النتيجة
فى يد خالقنا.
فمثلاً:
الطالب قد يذاكر ويجتهد، ولكن فى النهاية يرسب فى الامتحان، فالطالب هنا
قد سعى واجتهد وأخذ بأسباب النجاح، ولكن النتيجة بيدى الله سبحانه وتعالى،
فعليه الرضاء والتسليم، وعدم الحزن؛ لأن هذا مقدر له، كما أن ذلك حدث لحكمة
يعلمها الله، وفى هذا يقول المولى (عز وجل) فى سورة الحديد {ما أصاب من
مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على
الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل
مختال فخور}.
فلكى يحس الإنسان بالسعادة عليه أن يرضى بما قسمه الله له، وعليه التسليم بأمر الله؛ لأنه لا يقع فى ملك الله شيء لا يريده.
لذلك
فى كثير من الأوقات يريد الإنسان شيئًا محددًا، ويسعى لتحقيقه بشتى السبل،
ويعتقد أن الخير فيه، وأن سعادته لن تكتمل إلا به، ولكن الله لا يحققه له،
فيحزن ثم بعد ذلك يكتشف أن ما كان يريده بشدة هو شر له، وما أراده الله
وقضاه هو الخير وفيه السعادة.
والحياة الإنسانية تزخر بالعديد من التجارب التى من خلالها يتضح هذا الأمر، وفى هذا يقول المولى عز وجل {وعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا}.
ويرى أن
الإنسان يفكر كثيرًا فى أمر سعادته، وهناك من يتصور أنها قد تأتيه من جمع
المال، أو المنصب، أو الدرجة العلمية، أو الوجاهة الاجتماعية، ولكن مفهوم
السعادة أكبر من ذلك بكثير؛
لأن السعادة الحقيقية تعتمد على عدة أمور:
أولا: نقاء الضمير والإرادة الخيرة التى تجعل صاحبها مطمئنًا واثقًا بنفسه متجهًا إلى الله سبحانه وتعالى فى أقواله وأفعاله.
ثانيًا: السعادة فى التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
ثالثًا: السعادة تواضع وقيمة وعشرة طيبة بين الإنسان والآخر.
ويوجد
الكثير من الأحداث العالمية واليومية التى تسبب الاكتئاب، لذلك على
الإنسان لكى يتغلب على هذه الضغوط والمشاكل التى تحيط به أن يبحث عن
السعادة داخله، وسيجدها فى إيمانه بالله، ثم الرضا عن الذات وصحوة الضمير
الأخلاقى.
د
سر السعادة فى ثلاث:
قال (صلى الله عليه وسلم): «من بات آمنًا فى سربه معافى فى بدنه، عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها».
إنه تلخيص بليغ لأسباب السعادة، أمن، عافية، قوت يوم، وتبقى الفجوة بين الامتلاك، والرضا، بين ما لدى الإنسان، وما يريده.
وقديمًا
قالوا: الشيطان يمنيك بالمفقود، لتكره الموجود، ولكن الإنسان يظل باحثًا
عن هذا المفقود حتى إذا ما امتلكه تحول إلى شقاء موجود، وإذا كانوا قد
قالوا أيضًا: إذا لم تستطع أن تعمل ما تحب، فأحب ما تعمل، فإن السعادة
أيضًا تتحقق حين يسعد الإنسان بما لديه حين يعجز عن الحصول على ما يتمنى.